توصلت الأبحاث إلى أن العقاب البدني غير فعّال وسيء لنمو الأطفال، ووجدت الأبحاث التي حللت مجموعة من الدراسات حول العقاب البدني أن هذه العقوبة جعلت سلوكيات الأطفال أسوأ، وأنه في كثير من الأحيان، لا يُطيع الأطفال أوامر والديهم بعد تأديبهم، وحتى عندما يفعلون ذلك، فإن عقوبة الضرب لا تساعدهم على فهم سبب خطأ أفعالهم، فتكون النتيجة انضباط سلوكهم عن غير اقتناع، ومن أكثر الأضرار التي يتسبب فيها الضرب هذه التأثيرات السلبية التالية.
في دراسة استقصائية، ثبُت أن الأطفال الذين تعرضوا للعقاب البدني أثناء نموهم كانوا أكثر عرضة لإظهار السلوك المعادي للمجتمع، والسلوك الأناني في مرحلة البلوغ، ومن هنا نستنتج أن صفع الطفل لا يؤذيه جسديًا فحسب، بل يؤذيه عاطفيًا أيضًا، وهذا الإيذاء العاطفي يتسبب في أسوأ الأضرار لاحقًأ، لهذا إذا كنت تضرب طفلك باستمرار وتقول له كثيرًا إنه مخطئ أو سيئ، فسوف يترسخ بداخله اعتقاد بأنه ليس شخصًا جيدًا، وسيقل تقديره لذاته، وستُضعف ثقته بنفسه، وعندما يكبر لن يحترم نفسه، وستبقى تلك الصورة التي رسمتها في رأسه معه كندبة عاطفية مستمرة معه لفترة طويلة الأمد.
اقرأ ايضاً: طرق رائعة لتعزيز الثقة بالنفس وعلاج الخجل عند الأطفال
غالبًا ما يشعر الآباء الذين يعاقبون أطفالهم بشكل مُسيء بأنفسهم بالتقليل من شأنهم، لأنهم في أعماقهم لا يشعرون بالراحة تجاه طريقة تأديبهم، فهم غالبًا ما يضربون أبنائهم أو يصرخون في حالة من اليأس، لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون، ويعتبر ذلك بمثابة الانتصار في معركة على حساب خسارة الحرب كاملة، لأن الوالد هنا الذي من المفترض أن يكون مصدر أمان للطفل يتحول إلى مصدر خوف، فيفقد الطفل احترامه وتقديره له، لأن العقاب البدني يضع مسافة مزعجة بين الطرفين، لأنه من الصعب أن يحبوا اليد التي تضربهم.
اقرأ ايضاً: ابني لا يحترمني.. كيف أتعامل مع هذه المشكلة؟
ضرب الأطفال يمكن أن يعطيهم رسالة مفادها أن صفع الآخرين أو ضربهم طريقة جيدة للتعامل مع المشاعر القوية، ويؤكد ذلك العديد من الدراسات التي أثبتت أن الأطفال الذين تعرضوا للضرب من قبل والديهم هم أكثر عُرضة لإظهار السلوكيات العدوانية في وقت لاحق من الحياة، لأن الأطفال يشاهدون ويحاكون تصرفات والديهم، فيتعلمون أن الضرب طريقة مقبولة لحل المشكلات أو للتعبير عن الغضب، وبالتالي يجب على الوالدين ألا يكونوا سببًا في إضرار أبنائهم بهذه الدرجة.
يؤدي العقاب البدني إلى أضرار نفسية وجسدية عديدة؛ إذ لا يعاني الأطفال من الألم والحزن والخوف والغضب والعار والشعور بالذنب فحسب، بل كذلك من الشعور بالتهديد الذي يؤدي أيضًا إلى الإجهاد الفسيولوجي، وتفعيل المسارات العصبية التي تدعم التعامل مع الخطر، لهذا يميل الأطفال الذين عوقبوا جسديًا إلى إظهار تفاعل هرموني مرتفع مع الإجهاد، وهو ما يجعل الأنظمة البيولوجية مُثقلة بالأعباء، بما في ذلك النظم العصبية والقلب والأوعية الدموية والتغذية، والتغيرات في بنية الدماغ ووظيفته.
ذكريات الطفل عن تعرضه للضرب يمكن أن تشوه اللحظات السعيدة في مراحل نموه، لأن الناس يميلون إلى تذكر الأحداث الصادمة أكثر من الأحداث الممتعة، وبناءً على ذلك، تمحو الذكريات غير السارة عند التعرض للضرب الذكريات الإيجابية، كما يمكن أن يصل الأمر إلى عواقب وخيمة أكثر خطرًا عندما يتسبب الضرب لدى الطفل في صدمة عاطفية يمكن أن يقضي عمره كله يحاول التغلّب عليها، ويمكن أن تؤثر عليه على أكثر من مستوى.
كثير من الآباء والأمهات يشتكون من أن الضرب يجعل سلوك الطفل أسوأ وليس أفضل، كما يخلق ندية في التعامل بينهم وبين أبنائهم، لأن الطفل الذي يتعرض للضرب يشعر بأنه مخطئ في داخله لكن دون أن يعرف السبب، ويظهر ذلك جليًا في سلوكه الذي يحاول من خلاله أن يُشعر والديه بأنه يرفض أوامرهم وتحكماتهم وسيطرتهم عليه، فيقوم بعكس ما يرغبون فيه، ويتجنب الالتزام بالقواعد التي يجبرونه عليها، وكلما أساء التصرف، زاد تعرضه للضرب، وتستمر هذه العملية على ذلك النحو.
الإساءة الجسدية قد تؤدي إلى السمنة في مرحلة البلوغ، لأنها تكون إحدى خصائص التأقلم الخاطئ مع نمط الحياة غير المستقر، كآلية من آليات الهروب من المواقف غير المرغوب فيها الناجمة عن تدني احترام الذات والاكتئاب، مما يؤدي إلى انعدام الثقة بالنفس، ومن ثم تفاقم خطر السمنة، لأن الطفل حينها يجد في الطعام ملاذًا يهرب إليه من حياته السلبية التي يشعر فيها بالاضطهاد، وقد يتعدى الأمر لاحقًا الهروب إلى الطعام، ويصل إلى تعاطي المخدرات، أو تناول المشروبات الكحولية.
لتفادي اللجوء إلى ضرب كأحد أساليب التربية، على الوالدين البدء بالتعاطف مع الأطفال، وإشعارهم بالأمان بدلاً من مهاجمتهم وعقابهم جسديًا، لكي يكونوا أكثر استعدادًا للتعلّم، لهذا يجب حماية الأطفال، وإيقاف إساءة معاملتهم بأي شكل، لأن العقاب الجسدي لا مكان له في البيوت الصحية أو في مستقبل المجتمعات المسالمة التي تسعى لتنشئة أجيال جديدة لا تعاني من الأضرار النفسية.
اقرأ ايضاً: الاضطرابات السلوكية عند الأطفال