قد تكون لحظة مفاجئة وصعبة على أحد الوالدين عندما يلاحظ أحدهما للمرة الأولى أن طفلهما يكذب، مما يشعرهما بالارتباك، ويدفعهما التساؤل حول ما إذا كان يجب عليهما توبيخه أو معاقبته أو تجاهل هذا السلوك، وترجع الطريقة المثلى للتصرف حيال هذا الأمر إلى الموقف ونوع الكذب وعمر الطفل.
عندما يكون طفلك صغيرًا، ويستخدم أكاذيب غير منطقية، قد يكون هذا السلوك هو طريقته في الحصول على القليل من الاهتمام والإعجاب، لهذا يقوم الأطفال الأصغر سنًا بتأليف القصص أثناء اللعب التخيلي كوسيلة لإشراك خيالهم، والبدء في فهم العالم من حولهم، وقد يكذب الأطفال بشأن مهاراتهم أو مؤهلاتهم أو نجاحاتهم السابقة من أجل التباهي وإثبات الاستحقاق في بعض المواقف، مما يشير إلى افتقارهم للثقة بالنفس.
في أغلب الأحيان، يكذب الأطفال لتجنب المتاعب التي قد يتعرضون لها إذا فعلوا ما لم يكن عليهم فعله، أو لم يفعلوا ما كان عليهم فعله. فإذا لم يكن لديهم مخرج آخر، سيلجأون إلى الكذب بدلاً من تحمل العواقب، لتجنب الوقوع في المشاكل، أي أنه يستخدم الكذب كآلية دفاع.
يستخدم الأطفال الكذب لخلق هوياتهم الخاصة حتى لو كانت مزيفة في محاولة منهم لفصل شخصياتهم عن أبويهم، والتخلص من سيطرتهما عليهم. وبالطبع يكذب الأطفال عندما يعتقدون أن قواعد المنزل صارمة للغاية ويقررون عصيانها، وقد يتطور هذا الأمر مع بعض الأطفال، ويستمر معهم في مرحلة المراهقة، وربما في مراحل عمرية أكثر تقدمًا.
في مرحلة ما، يتعلم معظم الناس كيفية تحوير الحقائق حتى لا يجرحوا مشاعر الآخرين، ولأن الأطفال لا يتمتعون بنفس الحنكة التي يتمتع بها الكبار رغم تمتعهم بمستوى عالٍ من الحساسية، غالبًا ما يكون الكذب أكثر راحة لهم، ولذا يستعينون به لحماية الآخرين أو لتجنب إيذاء مشاعرهم، وهنا يكون الكذب بمثابة الخطوة الأولى نحو تعلم كيفية قول شيء ما بعناية أكبر.
نادرًا ما تكون محاولة إجبار شخص ما على الاعتراف فعالة لكشف كذبه، لكن مع الأطفال، هذه أسوأ طريقة لمعالجة الكذب، لأنها تُخلّد هذه المواقف والتصرفات في ذاكرتهم، كما تجعلهم يحتفظون بردود فعلك العنيفة عليها لفترة أطول في أدمغتهم، لذلك إذا اكتشفت أن طفلك يكذب أفضل طريقة للتعامل مع ذلك هي منحه فرصة لتحسين سلوكه وتصحيح وضعه دون إشعاره بالإحراج، وفي نفس الوقت العمل على تحديد سبب كذبه ومعالجته.
إذا كذبت، فمن المرجح أن يفعل أطفالك الشيء نفسه، لأنهم بالفطرة ينظرون إليك كقدوة، لذلك عليك أن تظهر لهم أنك على استعداد لقول الحقيقة حتى لو كان ذلك سيحملك بعض العواقب، وعليك أن تزرع فيهم الشجاعة للاعتذار عند ارتكاب الأخطاء، وقول الحقيقة مهما كان الثمن، وتساعدهم على التحكم في أنفسهم وعواطفهم، لكي يتمكنوا من حب الآخرين بصدق، بدلاً من السعي وراء السعادة الشخصية بأي ثمن.
التواصل هو أساس الصدق، ولذا نجد الطفل يمتنع عن الكذب عندما يشعر بأنك قريب منه، وبأنه قادر على مشاركة أفكاره ومشاعره الحقيقية معك. وإذا نجحت في الوصول إلى هذه المرحلة مع ابنك أو ابنتك، فهذا يعني أنك نجحت في اتخاذ أقوى إجراء وقائي ضد الكذب لفترة طويلة الأمد.
تجنب عقاب ابنك أو ابنتك على الكذب، لأن العقاب حافز خارجي، واستبدله بخلق رغبة داخله لقول الصدق، لأن الرغبة في فعل الصواب حافز داخلي لا ينضب، ويمكنك أيضًا تعريفهم على العواقب الوخيمة التي سيتعرضون لها عند الكذب بدلأ عن معاقبتهم، وهذا لا يعني أن تكون لينًا طوال الوقت، بل في بعض الأوقات ستحتاج إلى استخدام التحذيرات والتنبيهات، لكن يفضل ألا تكون هي خيارك الأول لتقويم الطفل.
يعد الكذب أمرًا طبيعيًا من الناحية التطورية للأطفال من جميع الأعمار، فعندما يكذب الأطفال كثيرًا يسمح الكذب لهم باختبار الحدود بين الخيال والواقع، لحماية أنفسهم من عواقب أفعالهم، وفهم طرق تفكير الآخرين بشكلٍ أفضل، لهذا من الطبيعي أن يكذب العديد من الأطفال بين الحين والآخر، ومن الطبيعي تمامًا أن يفعلوا ذلك لأنهم يتعلمون كيفية التفاعل في المجتمع، لكن ما يعد غير طبيعي هو تكرار طفلك للكذب كثيرًا واستمتاعه بممارسته، فهنا عليك التدخل في هذه المرحلة المبكرة حتى لا يتطور الأمر إلى ما هو أسوأ من ذلك.