إنجاب طفل هو لحظة مهمة في حياة كلا الوالدين، إلا أنه قد لا يكون الأب حاضرًا في حياة الطفل لأسباب وظروف عديدة قد تكون عن عمد أو عن غير عمد، وتشير النتائج إلى أن الأطفال الذين يعانون من غياب الأب كشفوا عن صعوبات سلوكية ومشكلات تتعلق بالرعاية الاجتماعية أكثر بكثير من تلك التي تم الإبلاغ عنها بالنسبة للأطفال الذين يعيشون مع آبائهم بشكلٍ طبيعي، فما هي أبرز الآثار المترتبة على غياب الأب عن حياة طفله؟
أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين نشأوا في ظل غياب الأب يميلون إلى تطوير احترام الذات المتدني، ويكونون أكثر قلقًا وانعدامًا للأمان، وكذلك أكثر عدوانية، وهذه الخصائص السلوكية يمكن أن تبقى حتى سن البلوغ وتضعف النمو الأمثل لمهارات الأبناء الاجتماعية، لأنهم يدخلون في صراعات عاطفية جرّاء شعورهم بأنهم مهمَلمون، وكذلك لأنهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع غضبهم أو قلقهم، خاصةً إذا كانت قدرتهم على التواصل ضعيفة، وهو ما يعرضهم لكثير من الانتقاد، ويؤثر سلبًا على علاقاتهم.
يعاني الأطفال الذين اعتادوا على غياب الأب من صعوبات في اتخاذ القرارات، وعدم قدرة على التواصل بشكلٍ فعّال مع من حولهم، ويرجع ذلك إلى أن الشعور بالحب والاهتمام من جانب الأب غالبًا ما يكون بنفس أهمية حب الأم، بل أحيانًا يكون أقوى تأثيرًا، لهذا يؤثر غياب الأب على الفتيات بجعلهن أكثر اتصالًا بالخوف وأكثر شعورًا بالألم والاكتئاب والخسارة، في حين يميل الفتيان إلى التواصل بشكلٍ محدود ينطوي على كثير من الغضب والتحفظ بسبب غياب الأب، وغالبًا ما يكون غضبهم غطاءً للأذى والخوف الذي يشعرون به بسبب عدم وجود الأب.
غياب الأب يخلق أطفالًا متحفظين ومنطويين، وهو ما يجعلهم غير قادرين على تكوين صداقات وعلاقات مع الآخرين، فلا يتحدثون مع الناس، ولا يقدرون على تبادل الأفكار حول الحياة والتطلعات المستقبلية، وذلك لأن الأطفال في غياب الأب يكافحون للتعبير عن أنفسهم، أو مشاركة مشاعرهم الحقيقية، ويرتبط بهذا الانطواء التهرب من تحمل المسؤولية والالتزام بها، فيجد الأطفال الذين يعانون من غياب الأب صعوبة في تكريس اهتمامهم وتركيزهم على هدف طويل الأجل، وهو ما يُضيع العديد من الفرص الأكاديمية والمهنية من أيديهم.
إذا كان الأب حاضرًا ولكنه غائب عن واجباته التربوية التي تلعب دورًا محوريًا في تنشئة الطفل، سيشعر الطفل بالرفض طوال الوقت، حتى داخل المنزل، وهو شكل خطير من أشكال غياب الأب، لأن الأب الحاضر جسديًا ولكن الغائب عاطفيًا يشعر طفله بالرفض أكثر مما يشعر به طفل الأب الغائب فعليًا، وهؤلاء الأطفال المرفوضون يبدأون في البحث عن الاهتمام دون انتباه كافٍ، أو يصبحون متعجرفين وأنانيين لإخفاء الألم الذي يشعرون به، مما قد يعرضهم للأذى والاستغلال، كما يعوق قدرتهم على تطوير إحساس صحي بقيمة الذات، لأنهم يعتقدون أنهم ليسوا أذكياء أو جذابين أو محبوبين أو جديرين بالاهتمام بما فيه الكفاية.
النضج العاطفي يعني أن يكون الطفل سعيدًا وآمنًا وأن تكون لديك علاقات صحية وقدرات متوازنة على التواصل، ويرتبط عدم النضج العاطفي بنقص التعاطف، وهو أحد الآثار السلبية لغياب الأب وعدم تحمله مسؤولية أبنائه، وعادةً يجد الأشخاص غير الناضجين عاطفيًا صعوبة في التعبير عن مشاعرهم بشكلٍ فعّال، وهو ما يجعلهم غير قادرين على الارتباط، والزواج والإنجاب، لأنهم يخافون من التقيد بالالتزامات الشخصية، ولا يثقون في الآخرين، فيتسببون في علاقات سامة، لأنهم يُكررون ويحاكون طريقة تعامل آبائهم معهم في الصغر، ويكون سبب عدم النضج العاطفي الصدمات والأزمات النفسية التي تعرض لها الطفل في صغره.
لا يتسبب غياب الأب في مشكلات سلوكية ترتبط بمهارات التواصل فقط، بل قد يتطور الأمر ويكون سببًا في اتجاه الطفل إلى طرق خطيرة، ربما تؤدي إلى مشكلات أكثر تفاقمًا تؤثر على جميع جوانب حياته، وقد تؤثر على صحته الجسدية أيضًا، ومن أبرز هذه السلوكيات الخطيرة، ما يلي: