يتمتع الأبناء الذين يدعمهم آباءهم بشكلٍ كبير بتأثيرات إيجاية عديدة تشكل شخصيات فاعلة في المجتمع لاحقًا، لأنهم يتميزون بمستويات أعلى من الكفاءة الاجتماعية، والتطور المعرفي والعاطفي، والقدرة على التواصل، وتكوين علاقات أفضل مع الأقران، بالإضافة إلى إحراز تقدم في المستوى التعليمي والأكاديمي، فما هي الأدوار التي يلعبها الأب في عملية تنشئة أبنائه، وكيف تؤثر جهوده على جوانب مختلفة من شخصياتهم؟
يتفاعل الآباء المشاركون بشكل مباشر مع أطفالهم بطرق إيجابية، بما في ذلك تقديم الرعاية عبر تغيير الحفاضات والأنشطة المشتركة التي تتضمن اللعب.
الآباء الذين يُوصفون بالمشاركين عادةً ما يكونون متاحين لأطفالهم حتى عندما لا يتفاعلون بشكل مباشر، مثل الطهي بينما يلعب الطفل في مكان قريب.
يتحمل الآباء المشاركون المسؤولية النهائية عن رعاية أطفالهم، بما في ذلك المشاركة في صنع القرارات التي تتعلق بتربية الأطفال وضمان تلبية احتياجاتهم.
يؤثر الآباء بشكل مباشر على التطور المعرفي لأطفالهم، وبالحديث عن المراحل العمرية، نجد أن الرضع من الآباء ذوي المشاركة العالية يكونون أكثر كفاءة من الناحية المعرفية في ستة أشهر، ولديهم وظيفة معرفية أعلى في عمر سنة، ويكونون في سن الثالثة أفضل في حل المشكلات ولديهم معدل ذكاء أعلى، أما خلال فترة المراهقة، فمن المرجح أن تكون مواقفهم أفضل تجاه المدرسة، والمشاركة في الأنشطة اللامنهجية، فيكونون أقل عرضة للرسوب، ويتمتعون بمستويات أعلى من الإنجاز التعليمي.
جودة العلاقة بين الأب والطفل لها أيضًا تأثير عميق على النمو العاطفي للأطفال ورفاهيتهم النفسية، ودرجة تمتعهم بالحياة؛ إذ تشير الدلائل إلى أنه عندما يكون الآباء أكثر انخراطًا في حياة أطفالهم يكون الأطفال أكثر عرضة للأمان العاطفي والتحلي بمستويات أعلى من احترام الذات وتقديرها والثقة والاعتماد على النفس، فبالتالي يكونون أكثر سعادة، ويمكنهم التعامل بشكل أفضل مع التوتر والإحباط، مما يحميهم من الصعوبات النفسية والمشكلات السلوكية؛ أي يقل احتمال تعرض الأطفال لمشاكل، مثل: القلق والاكتئاب وتعاطي المخدرات والعنف.
ترتبط مشاركة الأب والتزامه برعاية طفله ارتباطًا إيجابيًا وثيقًا بالكفاءة الاجتماعية الشاملة للطفل، والنضج، والقدرة على الارتباط بالآخرين، فيكون هؤلاء الأطفال أكثر استعدادًا لإقامة علاقات إيجابية مع أقرانهم، كما يصنفون بأنهم اجتماعيون ومحبوبون من المحيطين بهم، كما يُحسن دفء الأب ورعايته النضج الأخلاقي للطفل بشكل كبير، ويرتبط بسلوكيات أخلاقية، فيكون الأبناء أكثر قدرة على التعامل مع المواقف الغريبة، وأكثر مرونة في المواقف العصيبة، وأكثر فضولًا وحرصًا على استكشاف بيئتهم والتكيف معها شخصيًا واجتماعيًا، مما يجعلهم مستعدين لمواجهة العالم الخارجي وتحدياته.
يُظهر الأطفال ذوو الآباء الراعين والمهتمين مهارات معرفية ولغوية أفضل ويميلون إلى الحصول على معدل ذكاء أعلى أيضًا، كما يبدو أنهم أكثر قدرة على إدارة ضغوط التعليم أكثر من الأطفال الذين ليس لديهم أب أو الذين لهم آباء سلبيين، إذ يميل الأطفال الذين لديهم آباء مثقفون وعلى درجة عملية جيدة إلى أداء أفضل في الاختبارات المدرسية، كما أن الآباء الذين يتحدثون أكثر مع أطفالهم لديهم أطفال لديهم مفردات أعلى، ومهارات لغوية أكثر تعقيدًا من خلال الإجابة على الأسئلة المفتوحة التي يطرحها الآباء من وماذا ومتى وأين ولماذا، فيتمتعون لاحقًا بمستويات أعلى من النجاح الأكاديمي والوظيفي والكفاءة المهنية لاحقًا.
عندما يكون الآباء قريبون من أبنائهم، يكونون في وضع يسمح لهم بالتحدث معهم عن القيم والمعتقدات والمبادئ الإيجابية التي تساعدهم على المضي قدمًا في حياتهم المستقبلية، ولذلك أهمية كبيرة لأنه يجعل مرجعية الطفل مصدرًا موثوقًا في حبه وخوفه عليه لأنه والده، وليس أقرانه أو الغرباء أو مواقع الإنترنت، مما يمكّن الآباء من التحدث مع أبنائهم حول الحرية المقرونة بالمسؤولية، فعلى سبيل المثال، يمكن إشراك الأطفال في الأعمال المنزلية لمنحهم إحساس بالسيطرة على نجاحاتهم وإخفاقاتهم على حد سواء، وغيرها من القيم التي يجب غرسها في شخصية الابن أو الابنة منذ الصغر.
مشاركة الأب لها تأثير كبير على الأطفال في مختلف مراحلهم العمرية، فهي تساهم في زيادة القدرات التنموية المعرفية والاجتماعية والعاطفية، وتُقلل العديد من العواقب السلوكية السلبية، وبالتالي يتعرض الأطفال الذين يغيب عنهم والدهم -خاصةً قبل بلوغهم 18 عامًا- إلى مخاطر متزايدة تتعلق بسلوكياتهم الخارجية والاستيعابية، مما ينعكس على نموهم الجسدي والنفسي والاجتماعي.