يمتلك الأطفال مواهب فطرية قد يستغرق الوالدان وقتًا طويلًا لاكتشافها، وربما لا يكتشفونها أبدًا، رغم أن هذه المواهب قد تقلب حياتهم رأسًا على عقب لأنها يمكن أن تُحدد مساراتهم المستقبلية في العمل والدراسة والكثير من الجوانب الأخرى، فكيف يمكن اكتشاف مواهب الأطفال في وقتٍ مبكر، وما هي الطرق التي تساعد الآباء والأمهات على دعمها وتطويرها؟
لن تكتشف موهبة طفلك إلا إذا تركت له مساحة خاصة يُبدع فيها كما يشاء، دون إلزامه بوقتٍ مُحدد أو نشاطٍ معين، فالخطأ الكبير الذي يقع فيه كثير من الآباء هو أنهم يختارون للأبناء الهوايات والرياضات التي يمارسونها قبل أن يتعرفون على شخصية أطفالهم ليعرفوا هل هذه الأنشطة تتماشى مع مواهبهم واتجاهات شخصياتهم أم لا، لذلك يجب أن تتحدث كثيرًا مع طفلك وتسأله عن رأيه في الموضوعات العامة لتقترب أكثر من عالمه، ولا تنسَ أن تُشجعه على القراءة، فهي تُعزز الكثير من المهارات لديه.
ولكي يُفكر الأطفال بشكلٍ إبداعي يجب أن تُعلمهم التفكير النقدي عبر مناقشتهم بشكلٍ موضوعي حتى تُعزز لديهم مهارات البحث والتأمل وربط المعلومات ببعضها البعض، فعندما يسألك ابنك عن شيء لا يعرف ماهيته، لا تجاوبه من الوهلة الأولى، بل اترك له مساحة البحث على الإنترنت، واسأله عما توصل إليه ثم أكمل أنت عليه، فبهذا سيكتشف تفاصيل جديدة طوال الوقت، ستجعله يتعرف أكثر على قدراته.
اقرأ ايضاً:
- ما هي مهارات التفكير الإبداعي، وكيف يمكن تعزيزها؟
- كيف يمكن اكتساب مهارات التفكير الناقد؟
خطوتك الأولى لتُطور موهبة طفلك هي أن تُحددها، ولكي تحدد موهبة الطفل عليك أن تتابع أدائه وتلاحظ تصرفاته والمفردات التي يستخدمها دون أن تُشعره بأنك تراقب كل خطواته وأن خطتك التي وضعتها له لا يمكنه الخروج عنها، فالخروج عن المألوف هو الإبداع، لذلك شجّعه على تجربة أشياء جديدة، وانخرط معه بملاحظة كيفية تفاعله معها، ومن هنا ستكتشف أين تكمن نقاط قوته، وستتعرف على نقاط ضعفه.
وإذا كنت ترغب في دفع طفلك إلى تجربة أشياء جديدة، عليك ألا تجعله محاطًا بمهام متعددة كلها ترتبط بالدراسة والتعليم، لأنه بذلك لن يملك الوقت الكافي لتجربة الجديد، وستقتصر أهدافه على إنهاء الواجبات المدرسية وقضاء وقت فراغه المحدود في نشاطه المُفضل ليس أكثر من ذلك،
ويمكنك التعرف أكثر على ما يدور في دماغ الطفل من مغامرات يرغب في تجربتها بتشجيعه على كتابتها في أوراق، والبدء معه خطوة خطوة في تنفيذها، فمثلًا إذا كان يرغب في تعلم البيانو، قبل أن تشتريه له أو تحجز له دورة تدريبية ليتعلمه، اجعله يشاهد مقاطع فيديو لأشهر العازفين ليقترب أكثر من شغفه، أو ربما يكتشف شغفًا جديدًا فيكون متعدد المواهب!
في كتابه The Talent Code، يقول دانيال كويل، أن الموهبة لم تولد، بل تنمو، لذلك بعد أن نجحت في تحديد موهبة طفلك، خطوتك التالية هي أن تبدأ في دعمها وتطويرها، ويكون ذلك بتوفير الموارد المادية والمعنوية التي يحتاجها لتحقيق ذلك، وكلما كنت قادرًا على تلبية طلب من طلباته يُحسن أي جانب من جوانب موهبته، لا تتردد في تلبيته، فأنت بذلك لا تُدلله، بل تستثمر في موهبته وقدراته ومهاراته.
لذلك لا تتردد في إهداء علبة ألوان إلى ابنك الفنان، والإكسسوارات الرياضية لابنتك التي تلعب الكرة الطائرة، والكتب والقصص للمهتم بالكتابة والتأليف، فهذه الهدايا حتمًا تُعزز مواهبهم بشكلٍ إيجابي، وتذكّر طوال الوقت أن مهمتك دعم موهبته هو، فلا تطمح في أن يحقق أبنائك ما يثير شغفك أنت، لأنه ليس بالضرورة أن يكونوا مهتمين بالرسم الذي كنت تتمنى تعلمه خلال فترة طفولتك، أو بكرة القدم التي لم يشجعك والديك على تطوير موهبتك فيها.
تحديد المواهب المحتملة لطفلك شيء، ورعايتها شيء آخر؛ إذ أن تطوير المواهب هو مزيج معقد من تطوير وصقل القدرات الفطرية للطفل من خلال الممارسة والتحفيز، ويبدو جليًا أن التحفيز لا يفشل أبدًا في دفع موهبة ابنك أو ابنتك إلى الأمام، لهذا لا تترك فرصة لمدح طفلك أو الثناء على التقدم في أدائه -وإن كان طفيفًا- دون أن تفعل ذلك، ويمكنك أن تدعم أحلامه عبر تقديم المكافآت في شكل أدوات تساعده على أن يكون أفضل، فإذا كان يخطو خطواته الأولى في السباحة، يُمكن أن تُهديه نظارة سباحة جديدة أو أدوات غوص على سبيل المثال.
إضافةً إلى ذلك، علّم أبنائك أن الأهم من أن يكونوا مثاليين هو أن يكونوا مُميزين، لذلك لا بأس من بعض التراجع أو الأخطاء في الأداء خلال بعض الأوقات، فإذا لم يخطئ الطفل لن يتعلم، لهذا لا تتصيد له الأخطاء وتعاقبه عليها ظنًا منك في أن هذا بمثابة نقدٍ بنّاء، فالأفضل من ذلك أن تذكّره طوال الوقت أنه "يستطيع" حتى لو استغرق وقتًا إضافيًا أو تدريبًا أكثر، عليك أن تثق في قدراته ليثق فيها بالتبعية، وبالتالي يُحرز تقدمًا.
اقرأ ايضاً: كيف تتصرف إذا أخطأ ابنك المراهق؟
تطوير مواهب الأطفال لن يتحقق إلا بتضافر جهود الأسرة والأصدقاء والمعلمين، لذلك يجب أن تتعاون هذه الأطراف لاكتشاف المواهب وتنميتها، ولا يجب أن ترفع هذه الأطراف سقف التوقعات مع الأطفال حتى لا يشعرون بالضغط والإجبار ومن ثم يقل حماسهم تدريجيًا تجاه مواهبهم، فالمُفترض أن يتمتع طفلك بموهبته لا أن يخاف منها.