تظهر بعض الأبحاث أن العديد من الآباء يفرقون بين الأبناء سواء اعترفوا بذلك أم لا، وعادة ما يكون الطفل المفضل هو الابن الأكبر سنًا أو الرضيع، لأن الابن الكبير له مكانة خاصة في القلب، وكذلك يحتاج المولود الجديد إلى عناية مستمرة، وعلى صعيد متصل، يشعر الآباء أحيانًا بأنهم أقرب إلى الأطفال المصابين بأمراض أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، وفي هذه الحالات يظهر التفريق بين الأبناء، فقد أظهرت الأبحاث أن حوالي 70% من الآباء يظهرون محاباة لأحد الأطفال أكثر من الآخرين،
ووجدت دراسة استقصائية حديثة أن الأطفال الذين أبلغوا عن التعرض للتفريق أكثر عرضة للشعور بالوحدة عندما يكبرون، وهم أيضًا عرضة لتعاطي المخدرات وتدني احترام الذات، فما هي الآثار السلبية التي تظهر على الأبناء عند التفريق بينهم، وكيف يمكن تجنب ذلك؟
الأطفال الذين يتم تفضيلهم على أقرانهم يصبحون أكثر تدليلًا، ويطالبون بهدايا بشكلٍ مفرط، كما يظهرون سلوك عنيد منذ الطفولة، لأن التفريق بين الأبناء يولد لدى الأطفال شعورًا بالتفوق، ويجعلهم يعتقدون أنهم قادرون على كسر القواعد، مما يكون له تأثير سلبي على قدرتهم على الحفاظ على العلاقات، وكذلك على سلوكهم في المدرسة، والعمل، وحتى عند تكوين الصداقات.
اقرأ ايضاً: كيف يمكن التعامل مع الطفل الذي يريد كل شئ؟
عندما يقوم الوالدان بالتفريق بين الأبناء، يشجع ذلك الرغبة في التنافس السلبي بين الأطفال، ومن المرجح أن يحرض ذلك على الكره بين الأخوة؛ إذ يمكن للطفل المفضل أن يحاول إيذاء شقيقه أو أخيه أو التسبب في إصابته، وهو ما قد يؤدي إلى الانفصال عن الأشقاء لاحقًا، لهذا يحتاج الآباء إلى فهم أن جميع الأطفال يحتاجون إلى نفس الاهتمام والحب أثناء التعامل مع أطفالهم، حتى لا يكرهون بعضهم البعض.
الطفل غير المفضل يعاني من تدني قيمة الذات، ومشاعر الرفض وعدم الملاءمة والتكيف، مما يخلق لديه شعورًا بالاستسلام، بسبب الشعور بأنه لا يستحق نفس الاهتمام والحب والمودة التي يتلقاها الطفل المفضل، وغالبًا يكون لهذا آثار طويلة المدى على أدائهم في الوظائف، وفي المدرسة، وفي العلاقات الشخصية؛ حيث أن علاقة الأبوة والأمومة تضع الأساس والتوقعات للعلاقات المستقبلية.
اقرأ ايضاً: كيف يؤثر غياب الأب على نفسية الطفل؟
قد يكون الغضب والشعور بالاستياء رد فعل الأبناء على الشعور بالتفريق؛ إذ يشعر الأطفال غير المرغوب فيهم بالغضب من إظهار أحد الوالدين مشاعر حب واهتمام لطفل آخر، ونتيجة لذلك قد يكبر الأبناء على البحث عن أشخاص أو أشياء أخرى لملء الفراغ في المشاعر الذي يشعرون به، لاعتقادهم في أنهم غير محبوبين، ومن ناحية أخرى، قد يسبب التفريق بين الأبناء التوتر لدى الطفل الذي يحظى بالاهتمام، لشعورهم بالضغط للبقاء في نعمة والديهم، وعدم الرغبة في فقدان المكانة الخاصة الممنوحة لهم، ويمكن لهذا السلوك أن يشجعهم على الانفصال عن والديهم، والمكافحة من أجل العيش بشكل مستقل.
اقرأ ايضاً: الاضطرابات السلوكية عند الأطفال
لتجنب التفريق بين الأبناء، يفضل قضاء الوقت مع كل طفل من أبنائك على حدى، ويتطلب هذا الأمر مزيدًا من الجهد لقضاء بعض الوقت مع طفل قد تكون اهتماماته غير مفضلة بالنسبة لك، لكن يجب أن تضع في اعتبارك أن مقدار الوقت والاهتمام الذي يحصل عليه طفلك يحافظ على روابط التواصل بينكما، كما أن إظهار الاهتمام الإيجابي والحقيقي يخلق شعورًا لديه بالحب والتقدير.
تأكد من تحقيق المساواة عند عقاب أبنائك قدر الإمكان، وتجنب استهداف الطفل الذي ينخرط في سلوك غير لائق أكثر أمام إخوته، حتى لا تعاني لاحقًا من الآثار السلبية للتفريق بين الأبناء، والتي قد تجعله يتصرف بشكلٍ غير لائق ويفتعل المشكلات لجذب الانتباه، كما يجب تجنب مقارنة الأخوة ببعضهم البعض، لأنه يجب تربية الأطفال على مقارنة أنفسهم بأنفسهم لقياس مدى تقدمهم ليس بالآخرين، فلن يؤدي ذلك إلا إلى تأكيد مفهومهم المخيف بأنهم يتمتعون بمكانة من الدرجة الثانية في الأسرة.
يتمتع كل طفل بقدراته الفريدة وموهبته ومزاجه وميزاته البارزة الأخرى، لهذا لا يمكن لأطفالك أن يكونوا متشابهين أبدًا، وعليك أن تدرك جيدًا أن أبنائك مختلفين عن بعضهم البعض حتى التوائم المتماثلة تكون مختلفة تمامًا، وهنا دورك يكون احتضان تفردهم، ومساعدتهم على رؤية أنفسهم مهمون بنفس القدر، وأنهم يملأون مكانًا خاصًا في المنزل، وعدم التفريق بينهم في المعاملة، لكي يصبحوا أفضل.
اقرأ ايضاً: كيف أكتشف موهبة ابني وأُطورها؟
يولد الأطفال مثاليين وأنقياء، وعادة ما يرتكبون الأخطاء عن غير عمد، لهذا لا تبالغ في عقاب أحدهم دون الآخر بسبب سلوك خاطئ قام به، وهذا لا يعني أن تتغاضى عن أخطائهم، بل تقويمها، لكي يتعلمون منها، ولا يكررونها، ولا تتردد في الاعتذار عند المبالغة في العقاب، حتى يتأكد الطفل أنك لا تقصد الإساءة له تحديدًا، فلا يتعرض للآثار السلبية التي يتسبب فيها التفريق بين الأبناء.
اقرأ ايضاً: كيف يؤثر الضرب سلبًا على الطفل؟
بالنسبة لمعظم الأمهات والآباء، تظل مشاعر التفريق بين الأبناء سرًا، والدليل أنه عندما تم استطلاع آراء الآباء ، اعترف 10٪ فقط بأن لديهم طفل مفضل، ولكن جدير بالذكر أن الآثار طويلة المدى للتفريق بين الأبناء ليست كلها سلبية؛ إذ يقول الدكتور ليبي، مؤلف كتاب "الطفل المفضل" إنه غالبًا ما ينمو الطفل المفضل وهو يشعر بالثقة والقوة مع الإحساس بالقدرة على إنجاز المهام،
وهنا يجب أن نشير إلى ضرورة الانتباه عند التعامل مع الأبناء، ودعمهم جميعًا بنفس الدرجة، وعدم التفريق بينهم بشكلٍ يعرضهم للأذى النفسي أو الجسدي.