الأمومة مهمة عظيمة لكن على قدر عظمتها وسمو قيمتها تكون صعوبتها، ولأن الأم لا تريد سوى الأفضل لأبنائها، فهي تبحث طوال الوقت عن أساليب التربية الحديثة وطرق تطبيقها، حتى تُرشد أبنائها إلى الطريق الصحيح، وتكون قادرة على حمايتهم من المخاطر التي قد يتعرضون لها، فما هي أهم النصائح التي تُسهل على الأمهات القيام برسالتهن التربوية على أكمل وجه؟
بدلًا من توجيه النصائح له بشكل مُبالغ فيه طوال الوقت، تناقشي مع طفلك لتتعرفي على شخصيته بشكلٍ أكبر، ولتُدركي ما هي مواطن قوته، وأين تكمن نقاط ضعفه، ومن ثم تبدأي في توجيهه إلى ما يُناسبه، وإبعاده عن الطريق الخطأ، ولا تتجاهلي استخدام المُحفزات مثل المكافآت عند قيامه بسلوك سليم، أو تحقيقه أي شكل من أشكال التفوق الدراسي، ويُفضل استخدام مُحفزات تُثير اهتمامه لكي تُشجعه على الاستمرار في تحقيق أهدافه والالتزام بجداوله الدراسية والرياضية.
كثير من الأمهات لا يهتمن بالاستماع إلى أبنائهن، وهو ما يخلق فجوة كبيرة بينهما بسبب فارق السن وطريقة التربية، وبالنسبة إلى طريقة التحفيز، عليكِ توخي الحذر عند استخدام نظام الثواب والعقاب حتى لا تتحول المكافآت إلى رشاوى، ولتجنب ذلك عليك استخدامها كوسيلة تشجيع وليس كشرط لإنجاز مهمة ما أو التصرف بشكلٍ معين، لأنه بذلك سيُنفذ تعليماتك بهدف الحصول على المكافأة وليس لأنه على قناعة بأنها تُحقق مصالحه.
صحيح أن أطفالك يجب أن تكون لهم مساحاتهم الخاصة، لكن هذا لا يُبرر عدم وجود حدود للتعامل بينكما، فعلى الطفل أن يُدرك أن لكِ سلطة عليه في بعض الأمور وأنه ليس حرًا بشكلٍ كامل، لأن الرضوخ والسماح له بالتفاوض على ذلك يؤدي في كثير من الأحيان إلى صراعات على السلطة بينكِ وبينه، لذلك عليكِ أن تكوني حازمة في بعض الأوقات مثلما يجب أن تُبدي مزيدًا من التساهل والتسامح في أوقات أخرى، فكما يحتاج طفلك إلى الحزم، يحتاج أيضًا إلى الشعور منك بمزيد من الحماية وأنك حائط أمانه الذي لا ينكسر أبدًا فيُمكنه الرجوع إليه في أي وقت حتى عند ارتكاب الأخطاء أو في أوقات الأزمات؛ فإظهار أفعال الحب غير المشروط يُطلق هرمونات السعادة مثل الأوكسيتوسين وهذه المواد الكيميائية العصبية تجلب له إحساسًا عميقًا بالهدوء والدفء العاطفي والرضا.
ولكي لا تحدث نتائج عكسية، عليكِ أن تُدركي جيدًا أن دعمك الكامل لطفلك لا يعني أن تُسانديه دائمًا في التحديات والصعاب التي يواجهها، فليس صحيحًا أن يشعر بالراحة طوال الوقت، لأنه بذلك لن يتعلم المثابرة ولن يكتسب مهارات جديدة، فالفشل بداية النجاح، وابنك لن يتعلّم ويُصقل خبراته إلا بالتجربة والوقوع في الخطأ، وعلى الجانب الآخر، تذكري دائمًا أن احترام خصوصيات طفلك لا يجب أن يُمس بأي شكل من الأشكال حتى عندما تتدخلين في بعض أموره، فطفلك ليس مجرد تابعًا لكِ، بل هو إنسان له كيانه وهويته التي تُساعديه في الحفاظ عليها وتنميتها دون اختراقها.
الأمومة هي أكبر شكل من أشكال تحمل المسؤولية، وتحمل أي مسؤولية لابد له من خطة واضحة منظمة، ويجب أن تكون هذه الخطة نابعة من احتياجات طفلك وميوله وأهدافه المستقبلية، فعلى سبيل المثال يمكنك وضع خطة للقيم الأخلاقية التي ستدعمينها في شخصية طفلك خلال الشهر القادم والآليات التي ستستخدمينها لتنفيذ هذه الخطة والتي يجب أن تتماشى مع أنشطته اليومية، مع تضمين توقعاتك لمدى استجابة ابنك أو ابنتك لهذه الخطة، حتى تصبحين قادرة لاحقًا على تقييم الأداء بشكلٍ أدق.
وتذكري دائمًا أنكِ لا يجب أن تُبالغي في توقعاتك، فالسعي إلى الكمال ضرب من ضروب الخيال، خاصةً إذا كان مع طفل لم تنضج أبعاد شخصيته بعد، لذلك ضعي دائمًا توقعات تتناسب مع قدرات ومهارات واهتمامات وعمر طفلك، حتى لا تُحملينه فوق طاقته، وحتى لا تُصابين بخيبة أمل عندما لا تتحقق أهدافك بالشكل الذي توقعتيه، مما يؤثر سلبًا على حماسك للخطط الأخرى.
الموازنة بين الأعمال المنزلية والعمل وتربية الأطفال تجعلك تشعرين في كثير من الأوقات بالضغط والقلق وعدم الراحة، ولكن إذا تمكنتي من إدارة ضغوطك ومهامك المتعددة بشكلٍ أفضل، ستقدرين على قضاء المزيد من الوقت في تربية أطفالك بشكلٍ أكثر فعالية، وبتخصيص وقت لأخذ قسطٍ من الراحة وآخر لممارسة بعض التمارين الرياضة البسيطة مثل المشي أو الركض، ستشعرين بمزيدٍ من الاستقرار والهدوء النفسي، فتربية أبنائك وأنتِ في حالة توتر عصبي سيجعلهم يسمعون صوتك العالي ويرون انفعالاتك الحادة، وهو ما ليس في صالحهم ولا صالحك على الإطلاق.
الأمومة مسؤولية مشتركة، فلا تتحملي كل مسؤولياتها وحدك، ولا تترددي في طلب المساعدة من شريكك عندما تشعرين أن مسؤولياتك أصبحت أكبر من قدراتك، لأنكِ إذا قررتي المقاومة قد تنجحين لفترة مؤقته، لكن لاحقًا ستُصبحين في حالة من الضغط والتوتر طوال الوقت، وهو ما سيؤثر بالسلب على طريقة تربيتك لابنك أو ابنتك، تذكري دائمًا أن اعتنائك بنفسك سينعكس بشكلٍ مباشر على اهتمامك بأطفالك.
تذكري دائمًا أنه ليس مطلوبًا منكِ أن تكوني أمًا مثالية، فالأفضل من ذلك أن تكوني أمًا جيدة قادرة على إحداث توازنًا بين متطلباتها الخاصة ومتطلبات أبنائها، ولا تترددي في طلب المساعدة من الخبراء عندما تشعرين أنكِ فقدت السيطرة سواء من المعلمين أو من الأطباء النفسيين، فهم شركاؤك في هذه العملية التربوية التي لن تنجح إلا بتضافر جهود جميع الأطراف المعنية.